قصيدة نهج البردة
قصيدة نهج البردة هي أحد أشهر القصائد في مدح النبي محمد (صل الله عليه وسلم)، كتبها أحمد شوقي على غرار قصيدة البردة للبوصيري.[1] وقد استخدم فيها نفس القافية التي استخدمها البوصيري.[2]
مطلع القصيدة
| ريـمٌ عـلى القـاعِ بيـن البـانِ والعلَمِ | أَحَـلّ سـفْكَ دمـي فـي الأَشهر الحُرُمِ | |
| رمـى القضـاءُ بعيْنـي جُـؤذَر أَسدًا | يـا سـاكنَ القـاعِ، أَدرِكْ ساكن الأَجمِ | |
| لمــا رَنــا حــدّثتني النفسُ قائلـةً | يـا وَيْـحَ جنبِكَ، بالسهم المُصيب رُمِي | |
| جحدته، وكـتمت السـهمَ فـي كبدي | جُـرْحُ الأَحبـة عنـدي غـيرُ ذي أَلـمِ | |
| رزقـتَ أَسـمح مـا في الناس من خُلق | إِذا رُزقـتَ التمـاس العـذْر فـي الشِّيَمِ | |
| يـا لائـمي في هواه - والهوى قدَرٌ - | لـو شـفَّك الوجـدُ لـم تَعـذِل ولم تلُمِِ | |
| لقــد أَنلْتُــك أُذْنًــا غـير واعيـةٍ | ورُبَّ منتصـتٍ والقلـبُ فـي صَمـمِ | |
| يـا نـاعس الطَّرْفِ; لاذقْتَ الهوى أَبدًا | أَسـهرْتَ مُضنـاك في حفظِ الهوى، فنمِ | |
| أَفْـديك إِلفً، ولا آلـو الخيـالَ فِـدًى | أَغـراك بـالبخلِ مَـن أَغـراه بـالكرمِ | |
| سـرَى، فصـادف جُرحًـا داميً، فأَسَا | ورُبَّ فضــلٍ عـلى العشـاقِ للحُـلُمِ | |
| مَــن المـوائسُ بانًـا بـالرُّبى وقَنًـا | اللاعبـاتُ برُوحـي، السـافحات دمِي؟ | |
| الســافِراتُ كأَمثـالِ البُـدُور ضُحًـى | يُغِـرْنَ شـمسَ الضُّحى بالحَلْي والعِصَمِ | |
| القــاتلاتُ بأَجفــانٍ بهــا سَــقَمٌ | وللمنيــةِ أَســبابٌ مــن السّــقَمِ | |
| العــاثراتُ بأَلبــابِ الرجـال، ومـا | أُقِلـنَ مـن عـثراتِ الـدَّلِّ في الرَّسمِ | |
| المضرمـاتُ خُـدودً، أسـفرت، وَجَلتْ | عــن فِتنـة، تُسـلِمُ الأَكبـادَ للضـرَمِ | |
| الحــاملاتُ لــواءَ الحسـنِ مختلفًـا | أَشــكالُه، وهـو فـردٌ غـير منقسِـمِ | |
| مـن كـلِّ بيضـاءَ أَو سـمراءَ زُيِّنتا | للعيـنِ، والحُسـنُ فـي الآرامِ كالعُصُمِ | |
| يُـرَعْنَ للبصـرِ السـامي، ومن عجبٍ | إِذا أَشَــرن أَســرن الليـثَ بـالعَنمِ | |
| وضعـتُ خـدِّي، وقسَّـمتُ الفؤادَ ربًى | يَـرتَعنَ فـي كُـنُسٍ منـه وفـي أَكـمِ | |
| يـا بنـت ذي اللِّبَـدِ المحـميِّ جانِبُـه | أَلقـاكِ فـي الغاب، أَم أَلقاكِ في الأطُمِ؟ | |
| مـا كـنتُ أَعلـم حـتى عـنَّ مسـكنُه | أَن المُنــى والمنايـا مضـرِبُ الخِـيمِ | |
| مَـنْ أَنبتَ الغصنَ مِنْ صَمصامةٍ ذكرٍ؟ | وأَخـرج الـريمَ مِـن ضِرغامـة قرِمِ؟ | |
| بينـي وبينـكِ مـن سُـمْرِ القَنا حُجُب | ومثلُهــا عِفَّــةٌ عُذرِيــةُ العِصَـمِ | |
| لـم أَغش مغنـاكِ إِلا في غضونِ كَرًى | مَغنــاك أَبعــدُ للمشـتاقِ مـن إِرَمِ | |
| يـا نفسُ، دنيـاكِ تُخْـفي كـلَّ مُبكيـةٍ | وإِن بــدا لـكِ منهـا حُسـنُ مُبتسَـمِ | |
| فُضِّـي بتقـواكِ فاهًـا كلمـا ضَحكتْ | كمــا يُفـضُّ أَذَى الرقشـاءِ بـالثَّرَمِ | |
| مخطوبـةٌ - منـذُ كان الناسُ - خاطبَةٌ | مـن أَولِ الدهـر لـم تُـرْمِل، ولم تَئمِ | |
| يَفنـى الزّمـانُ، ويبقـى مـن إِساءَتِها | جــرْحٌ بـآدم يَبكـي منـه فـي الأَدمِ | |
| لا تحــفلي بجناه، أَو جنايتهــا | المـوتُ بـالزَّهْر مثـلُ المـوت بالفَحَمِ | |
| كـم نـائمٍ لا يَراه، وهـي سـاهرةٌ | لــولا الأَمـانيُّ والأَحـلامُ لـم ينـمِ | |
| طــورًا تمـدّك فـي نُعْمـى وعافيـةٍ | وتـارةً فـي قـرَار البـؤس والـوَصَمِ | |
| كـم ضلَّلتـكَ، وَمَـن تُحْجَـبْ بصيرتُه | إِن يلـقَ صابـا يَـرِد، أَو عَلْقمـا يَسُمِ | |
| يــا ويلتـاهُ لنفسـي! راعَهـا ودَهـا | مُسْـوَدَّةُ الصُّحْـفِ فـي مُبْيَضَّـةِ اللّمَمِ | |
| ركَضْتهـا فـي مَـرِيع المعصياتِ، وما | أَخـذتُ مـن حِمْيَـةِ الطاعـات للتُّخَـمِ | |
| هــامت عـلى أَثَـرِ اللَّـذاتِ تطلبُهـا | والنفسُ إِن يَدْعُهـا داعـي الصِّبـا تَهمِ | |
| صــلاحُ أَمـرِك للأَخـلاقِ مرجِعُـه | فقـــوِّم النفسَ بــالأَخلاقِ تســتقمِ | |
| والنفسُ مـن خيرِهـا فـي خـيرِ عافيةٍ | والنفسُ مـن شـرها فـي مَـرْتَعٍ وَخِمِ | |
| تطغـى إِذا مُكِّـنَتْ مـن لـذَّةٍ وهـوًى | طَغْـيَ الجيـادِ إِذا عَضَّـت على الشُّكُمِ | |
| إِنْ جَـلَّ ذَنبـي عـن الغُفـران لي أَملٌ | فـي اللـهِ يجـعلني فـي خـيرِ مُعتصَمِ | |
| أُلقـي رجـائي إِذا عـزَّ المُجـيرُ على | مُفـرِّج الكـرب فـي الـدارينِ والغمَمِ | |
| إِذا خــفضتُ جَنــاحَ الـذُّلِّ أَسـأَله | عِـزَّ الشفاعةِ; لـم أَسـأَل سـوى أَمَمِ | |
| وإِن تقـــدّم ذو تقــوى بصالحــةٍ | قــدّمتُ بيــن يديـه عَـبْرَةَ النـدَمِ | |
| لـزِمتُ بـابَ أَمـير الأَنبيـاءِ، ومَـنْ | يُمْسِـكْ بمِفتــاح بـاب اللـه يغتنِـمِ | |
| فكــلُّ فضـلٍ، وإِحسـانٍ، وعارفـةٍ | مــا بيــن مســتلمٍ منـه ومُلـتزمِ | |
| علقـتُ مـن مدحـهِ حـبلاً أعـزُّ بـه | فـي يـوم لا عِـزَّ بالأَنسـابِ واللُّحَـمِ | |
| يُـزرِي قَـرِيضِي زُهَـيْرًا حين أَمدحُه | ولا يقـاسُ إِلـى جـودي لـدَى هَـرِمِ | |
| محــمدٌ صفـوةُ البـاري، ورحمتُـه | وبغيَـةُ اللـه مـن خَـلْقٍ ومـن نَسَـمِ | |
| وصـاحبُ الحـوض يـومَ الرُّسْلُ سائلةٌ | متـى الـورودُ؟ وجـبريلُ الأَمين ظَمي | |
| ســناؤه وســناهُ الشــمسُ طالعـةً | فـالجِرمُ فـي فلـكٍ، والضوءُ في عَلَمِ | |
| قـد أَخطـأَ النجـمَ مـا نـالت أُبوَّتُـه | مـن سـؤددٍ بـاذخ فـي مظهَـرٍ سَنِم | |
| نُمُـوا إِليـه، فـزادوا في الورَى شرَفًا | ورُبَّ أَصـلٍ لفـرع فـي الفخـارِ نُمي | |
| حَــوَاه فـي سُـبُحاتِ الطُّهـرِ قبلهـم | نـوران قامـا مقـام الصُّلـبِ والرَّحِم | |
| لمــا رآه بَحــيرا قــال: نعرِفُــه | بمـا حفظنـا مـن الأَسـماءِ والسِّـيمِ | |
| سـائلْ حِراءَ، وروحَ القدس: هل عَلما | مَصـونَ سِـرٍّ عـن الإِدراكِ مُنْكَـتِمِ؟ | |
| كــم جيئـةٍ وذهـابٍ شُـرِّفتْ بهمـا | بَطحـاءُ مكـة فـي الإِصبـاح والغَسَمِ | |
| ووحشةٍ لابــنِ عبـد اللـه بينهمـا | أَشـهى من الأُنس بالأَحبـاب والحشَمِ | |
| يُسـامِر الوحـيَ فيهـا قبـل مهبِطـه | ومَـن يبشِّـرْ بسِـيمَى الخـير يَتَّسِـمِ | |
| لمـا دعـا الصَّحْـبُ يستسقونَ من ظمإٍ | فاضتْ يـداه مـن التسـنيم بالسَّـنِمِ | |
| وظلَّلَتــه، فصــارت تسـتظلُّ بـه | غمامــةٌ جذَبَتْهــا خِــيرةُ الــديَمِ | |
| محبــةٌ لرســولِ اللــهِ أُشــرِبَها | قعـائدُ الدَّيْـرِ، والرُّهبـانُ فـي القِمـمِ | |
| إِنّ الشــمائلَ إِن رَقَّــتْ يكـاد بهـا | يُغْـرَى الجَمـادُ، ويُغْـرَى كلُّ ذي نَسَمِ | |
| ونـودِيَ: اقـرأْ. تعـالى اللـهُ قائلُهـا | لـم تتصـلْ قبـل مَـن قيلـتْ له بفمِ | |
| هنــاك أَذَّنَ للرحــمنِ، فــامتلأَت | أَســماعُ مكَّــةَ مِـن قُدسـيّة النَّغـمِ | |
| فـلا تسـلْ عـن قريش كيف حَيْرتُه؟ | وكـيف نُفْرتُهـا فـي السـهل والعَلمِ؟ | |
| تسـاءَلوا عـن عظيـمٍ قـد أَلـمَّ بهـم | رمَــى المشــايخَ والولـدانَ بـاللَّممِ | |
| يـا جـاهلين عـلى الهـادي ودعوتِـه | هـل تجـهلون مكـانَ الصـادِقِ العَلمِ؟ | |
| لقَّبتمــوهُ أَميـنَ القـومِ فـي صِغـرٍ | ومــا الأَميــنُ عـلى قـوْلٍ بمتّهَـمِ | |
| فـاق البـدورَ، وفـاق الأَنبيـاءَ، فكـمْ | بـالخُلْق والخَـلق مِـن حسْنٍ ومِن عِظمِ | |
| جـاءَ النبيـون بالآيـاتِ، فـانصرمت | وجئتنــا بحــكيمٍ غــيرِ مُنصَـرمِ | |
| آياتُــه كلّمــا طـالَ المـدَى جُـدُدٌ | يَــزِينُهنّ جــلالُ العِتــق والقِـدمِ | |
| يكــاد فــي لفظــةٍ منـه مشـرَّفةٍ | يـوصِيك بـالحق، والتقـوى، وبالرحمِ | |
| يـا أَفصـحَ النـاطقين الضـادَ قاطبـةً | حديثُك الشّـهدُ عنـد الـذائقِ الفهِـمِ | |
| حَـلَّيتَ مـن عَطَـلٍ جِـيدَ البيـانِ به | فـي كـلِّ مُنتَـثِر فـي حسـن مُنتظِمِ | |
| بكــلِّ قــولٍ كـريمٍ أَنـت قائلُـه | تُحْـيي القلـوبَ، وتُحْـيي ميِّـتَ الهِممِ | |
| سَــرَتْ بشــائِرُ بالهـادي ومولِـده | في الشرق والغرب مَسْرى النورفي الظلمِ | |
| تخـطَّفتْ مُهَـجَ الطـاغين مـن عربٍ | وطــيَّرت أَنفُسَ البـاغين مـن عجـمِ | |
| رِيعـت لهـا شُرَفُ الإِيوان، فانصدعت | مـن صدمـة الحق، لا من صدمة القُدمِ | |
| أَتيـتَ والنـاسُ فَـوْضَى لا تمـرُّ بهم | إِلاّ عـلى صَنـم، قـد هـام فـي صنمِ | |
| والأَرض مملــوءَةٌ جـورً، مُسَـخَّرَةٌ | لكــلّ طاغيـةٍ فـي الخَـلْق مُحـتكِمِ | |
| مُسَـيْطِرُ الفـرْسِ يبغـى فـي رعيّتـهِ | وقيصـرُ الـروم مـن كِـبْرٍ أَصمُّ عَمِ | |
| يُعذِّبــان عبــادَ اللــهِ فـي شُـبهٍ | ويذبَحــان كمــا ضحَّــيتَ بـالغَنَمِ | |
| والخــلقُ يَفْتِــك أَقـواهم بـأَضعفِهم | كــاللَّيث بـالبَهْم، أَو كـالحوتِ بـالبَلَمِ | |
| أَســرَى بـك اللـهُ ليـل، إِذ ملائكُـه | والرُّسْـلُ في المسجد الأَقصى على قدَمِ | |
| لمــا خـطرتَ بـه التفُّـوا بسـيدِهم | كالشُّـهْبِ بـالبدرِ، أَو كـالجُند بـالعَلمِ | |
| صـلى وراءَك منهـم كـلُّ ذي خـطرٍ | ومن يفُــز بحــبيبِ اللـه يـأْتممِ | |
| جُـبْتَ السـمواتِ أَو مـا فـوقهن بهم | عـــلى منــوّرةٍ دُرِّيَّــةِ اللُّجُــمِ | |
| رَكوبـة لـك مـن عـزٍّ ومـن شرفٍ | لا فـي الجيـادِ، ولا فـي الأَيْنُق الرسُمِ | |
| مَشِــيئةُ الخـالق البـاري، وصَنعتُـه | وقدرةُ اللــه فـوق الشـك والتُّهَـمِ | |
| حــتى بلغـتَ سـماءً لا يُطـارُ لهـا | عـلى جَنـاحٍ، ولا يُسْـعَى عـلى قَـدمِ | |
| وقيــل: كــلُّ نبــيٍّ عنـد رتبتِـه | ويــا محـمدُ، هـذا العـرشُ فاسـتلمِ | |
| خــطَطت للـدين والدنيـا علومَهمـا | يـا قـارئَ اللـوح، بـل يا لامِسَ القَلمِ | |
| أَحــطْتَ بينهمـا بالسـرِّ، وانكشـفتْ | لـك الخـزائنُ مـن عِلْـم، ومـن حِكمِ | |
| وضـاعَفَ القُـربُ مـاقُلِّدْتَ مـن مِنَنٍ | بـلا عِـدادٍ، ومـا طُـوِّقتَ مـن نِعـمِ | |
| سـلْ عصبـةَ الشِّركِ حولَ الغارٍ سائمةً | لــولا مطـاردةُ المختـار لـم تُسـمِ | |
| هـل أبصروا الأَثر الوضَّاءَ، أَم سمِعوا | همْسَ التسـابيحِ والقـرآن مـن أَمَـمِ؟ | |
| وهــل تمثّـل نسـجُ العنكبـوتِ لهـم | كالغـابِ، والحائمـاتُ الزُّغْبُ كالرخمِ؟ | |
| فــأَدبرو، ووجــوهُ الأَرضِ تلعنُهـم | كبــاطلٍ مـن جـلالِ الحـق منهـزِمِ | |
| لـولا يـدُ اللـهِ بالجـارَيْنِ مـا سـلِما | وعينُـه حـولَ ركـنِ الـدين; لـم يقمِ | |
| توارَيــا بجَنــاح اللــهِ، واسـتترَا | ومــن يضُـمُّ جنـاحُ اللـه لا يُضَـمِ | |
| يـا أَحـمدَ الخـيْرِ، لـي جـاهٌ بتسْمِيَتي | وكـيف لا يتسـامى بالرسـولِ سمِي؟ | |
| المــادحون وأَربــابُ الهـوى تَبَـعٌ | لصـاحبِ الـبُرْدةِ الفيحـاءِ ذي القَـدَمِ | |
| مديحُـه فيـك حـبٌّ خـالصٌ وهـوًى | وصـادقُ الحـبِّ يُمـلي صـادقَ الكلمِ | |
| اللــه يشــهدُ أَنــي لا أُعارضُــه | مـن ذا يعارضُ صوبَ العارضِ العَرِمِ؟ | |
| وإِنَّمـا أَنـا بعـض الغـابطين، ومَـن | يغبِــطْ وليَّــك لا يُــذمَمْ، ولا يُلَـمِ | |
| هــذا مقــامٌ مـن الرحـمنِ مُقتَبسٌ | تَــرمي مَهابتُــه سَــحْبانَ بـالبَكمِ | |
| البـدرُ دونـكَ فـي حُسـنٍ وفي شَرفٍ | والبحـرُ دونـك فـي خـيرٍ وفي كرمِ | |
| شُـمُّ الجبـالِ إِذا طاولتَهـا انخـفضت | والأَنجُـمُ الزُّهـرُ مـا واسـمتَها تسِـمِ | |
| والليــثُ دونـك بأْسًـا عنـد وثبتِـه | إِذا مشـيتَ إِلـى شـاكي السـلاح كَمِي | |
| تهفــو إِليـكَ - وإِن أَدميـتَ حبَّتَهـا | فـي الحـربِ - أَفئـدةُ الأَبطالِ والبُهَمِ | |
| محبـــةُ اللــهِ أَلقاه، وهيبتُــه | عـلى ابـن آمنـةٍ فـي كـلِّ مُصطَدَمِ | |
| كـأَن وجـهَك تحـت النَّقْـع بدرُ دُجًى | يضــيءُ مُلْتَثِمً، أَو غـيرَ مُلتثِـمِ | |
| بــدرٌ تطلَّــعَ فــي بـدرٍ، فغُرَّتُـه | كغُـرَّةِ النصـر، تجـلو داجـيَ الظلَـمِ | |
| ذُكِـرْت بـاليُتْم فـي القـرآن تكرمـةً | وقيمةُ اللؤلـؤ المكنـونِ فـي اليُتـمِ | |
| اللــهُ قسّــمَ بيــن النـاسِ رزقَهُـمُ | وأَنـت خُـيِّرْتَ فـي الأَرزاق والقِسـمِ | |
| إِن قلتَ في الأَمرِ:"لا"أَو قلتَ فيه: "نعم" | فخيرَةُ اللهِ في "لا" منـك أَو "نعمِ" | |
| أَخـوك عيسـى دَعَـا ميْتً، فقـام لهُ | وأَنــت أَحـييتَ أَجيـالاً مِـن الـرِّممِ | |
| والجـهْل مـوتٌ، فـإِن أُوتيـتَ مُعْجِزةً | فـابعثْ من الجهل، أَو فابعثْ من الرَّجَمِ | |
| قـالوا: غَـزَوْتَ، ورسْـلُ اللهِ ما بُعثوا | لقتْــل نفس، ولا جـاءُوا لسـفكِ دمِ | |
| جـهلٌ، وتضليـلُ أَحـلامٍ، وسفسـطةٌ | فتحـتَ بالسـيفِ بعـد الفتـح بـالقلمِ | |
| لمـا أَتـى لـكَ عفـوًا كـلُّ ذي حَسَبٍ | تكفَّــلَ الســيفُ بالجهـالِ والعَمَـمِ | |
| والشـرُّ إِن تَلْقَـهُ بـالخيرِ ضِقـتَ بـه | ذَرْعً، وإِن تَلْقَــهُ بالشـرِّ يَنحسِـمِ | |
| سَـل المسـيحيّةَ الغـراءَ: كـم شرِبت | بالصّـاب مـن شَـهوات الظـالم الغَلِمِ | |
| طريـدةُ الشـركِ، يؤذيه، ويوسـعُها | فـي كـلِّ حـينٍ قتـالاً سـاطعَ الحَدَمِ | |
| لــولا حُمـاةٌ لهـا هبُّـوا لنصرَتِهـا | بالسـيف; مـا انتفعـتْ بالرفق والرُّحَمِ | |
| لــولا مكـانٌ لعيسـى عنـد مُرسِـلهِ | وحُرمَـةٌ وجـبتْ للـروح فـي القِـدَمِ | |
| لَسُـمِّرَ البـدَنُ الطُّهـرُ الشـريفُ على | لَوْحَـيْن، لـم يخـشَ مؤذيـه، ولم يَجمِِ | |
| جـلَّ المسـيحُ، وذاقَ الصَّلـبَ شـانِئهُ | إِن العقــابَ بقـدرِ الـذنبِ والجُـرُمِ | |
| أَخُـو النبـي، وروحُ اللـهِ فـي نُـزُل | فُـوقَ السـماءِ ودون العـرشِ مُحترَمِ | |
| علَّمْتَهــم كـلَّ شـيءٍ يجـهلون بـه | حـتى القتـالَ ومـا فيـه مـن الـذِّمَمِ | |
| دعــوتَهم لِجِهَــادٍ فيــه سـؤددُهُمْ | والحـربُ أُسُّ نظـامِ الكـونِ والأُمـمِ | |
| لـولاه لـم نـر للـدولاتِ فـي زمـن | مـا طـالَ مـن عمـد، أَو قَرَّ من دُهُمِ | |
| تلــك الشــواهِدُ تَـتْرَى كـلَّ آونـةٍ | في الأَعصُر الغُرِّ، لا في الأَعصُر الدُّهُمِ | |
| بـالأَمس مـالت عروشٌ، واعتلت سُرُرٌ | لـولا القـذائفُ لـم تثْلَـمْ، ولـم تصمِ | |
| أَشـياعُ عيسـى أَعَـدُّوا كـلَّ قاصمـةٍ | ولــم نُعِـدّ سِـوى حـالاتِ مُنقصِـمِ | |
| مهمـا دُعِيـتَ إِلـى الهيْجَـاءِ قُمْتَ لها | تـرمي بأُسْـدٍ، ويـرمي اللـهُ بـالرُّجُمِ | |
| عــلى لِــوَائِكَ منهـم كـلُّ مُنتقِـمٍ | لله، مُســتقتِلٍ فـي اللـهِ، مُعـتزِمِ | |
| مُســبِّح للقــاءِ اللــهِ، مُضطـرِمٍ | شـوق، عـلى سـابحٍ كالبرْقِ مضطرِمِ | |
| لـو صـادفَ الدَّهـرَ يَبغِي نقلةً، فرمى | بعزمِـهِ فـي رحـالِ الدهـرِ لـم يَرِمِ | |
| بيـضٌ، مَفـاليلُ مـن فعلِ الحروبِ بهم | من أَسْـيُفِ اللـهِ، لا الهندِيـة الخُـذُمِ | |
| كـم فـي الـترابِ إِذا فتَّشت عن رجلٍ | من مـاتَ بـالعهدِ، أَو من مات بالقسَمِ | |
| لـولا مـواهبُ فـي بعـضِ الأَنام لما | تفـاوت النـاسُ فـي الأَقـدار والقِيَـمِ | |
| شــريعةٌ لـك فجـرت العقـولَ بهـا | عـن زاخِـرٍ بصنـوفِ العلـم ملتطِـمِ | |
| يلـوحُ حـولَ سـنا التوحـيدِ جوهرُها | كــالحلْي للسـيف أَو كالوشْـي للعَلـمِ | |
| غـرّاءُ، حـامت عليهـا أَنفسٌ، ونُهًـى | ومـن يَجـدْ سَلسَـلاً مـن حكمـةٍ يَحُمِ | |
| نـورُ السـبيل يسـاس العـالَمون بهـا | تكــفَّلتْ بشــباب الدهــرِ والهَـرَمِ | |
| يجـري الزمّـانُ وأَحكـامُ الزمانِ على | حُـكم له، نـافِذٍ فـي الخلق، مُرْتَسِمِ | |
| لـمَّـا اعْتلَـت دولـةُ الإِسلامِ واتسَعت | مشــتْ ممالِكُـهُ فـي نورِهـا التَّمـمِ | |
| وعلَّمــتْ أُمــةً بــالقفر نازلــةً | رعْـيَ القيـاصرِ بعـد الشَّـاءِ والنَّعَمِ | |
| كـم شَـيَّد المصلِحُـون العـاملون بها | فـي الشـرق والغرب مُلكًا باذِخَ العِظَمِ | |
| للعِلـم، والعـدلِ، والتمـدينِ ما عزموا | مـن الأُمـور، ومـا شـدُّوا من الحُزُمِ | |
| ســرعان مـا فتحـوا الدنيـا لِملَّتِهـم | وأَنهلوا الناسَ مـن سَلسـالها الشَّـبِمِ | |
| سـاروا عليهـا هُـداةَ الناس، فَهْي بهم | إِلـى الفـلاحِ طـريقٌ واضـحُ العَظَـمِ | |
| لا يهـدِمُ الدَّهـرُ رُكنًـا شـاد عـدلُهُمُ | وحــائط البغــي إِن تلمسْـهُ ينهـدِمِ | |
| نـالوا السـعادةَ فـي الدَّارين، واجتمعوا | عـلى عميـم مـن الرضـوان مقتسـمِ | |
| دعْ عنـك روم، وآثِين، ومـا حَوَتا | كــلُّ اليـواقيت فـي بغـدادَ والتُّـوَمِ | |
| وخــلِّ كِسـرى، وإِيوانًـا يـدِلُّ بـه | هــوى عـلى أَثَـرِ النـيران والأيُـمِ | |
| واتْـرُكْ رعمسـيسَ، إِن الملـكَ مَظهرهُ | فـي نهضـة العدل، لا في نهضة الهرَمِ | |
| دارُ الشــرائع رومـا كلّمـا ذُكـرَتْ | دارُ الســلام لهـا أَلقـتْ يـدَ السَّـلَمِ | |
| مــا ضارَعَتهـا بيانًـا عنـد مُلْتَـأَم | ولا حَكَتهــا قضـاءً عنـد مُخـتصَمِ | |
| ولا احـتوت فـي طِـرازٍ مِن قياصِرها | عــلى رشـيدٍ، ومـأْمونٍ، ومُعتصِـمِ | |
| مــن الــذين إِذا ســارت كتـائبُهم | تصرّفــوا بحــدود الأَرض والتخُـمِ | |
| ويجلســونَ إِلــى علــمٍ ومَعرفـةٍ | فــلا يُدانَـوْن فـي عقـل ولا فَهَـمِ | |
| يُطــأْطئُ العلمـاءُ الهـامَ إِن نَبَسُـوا | مـن هيبـةِ العلْـم، لا مـن هيبة الحُكُمِ | |
| ويُمطِـرون، فمـا بـالأَرضِ من مَحَلٍ | ولا بمـن بـات فـوق الأَرضِ من عُدُمِ | |
| خــلائفُ اللـه جـلُّوا عـن موازنـةٍ | فــلا تقيسـنّ أَمـلاكَ الـورى بهـمِ | |
| مَـنْ فـي البريـة كالفـاروق مَعْدَلَةً؟ | وكـابن عبـد العزيـز الخاشعِ الحشمِ؟ | |
| وكالإِمــام إِذا مــا فَـضَّ مزدحمًـا | بمــدمع فـي مـآقي القـوم مزدحـمِ | |
| الزاخـر العـذْب فـي علْـم وفي أَدبٍ | والنـاصر النَّـدْب في حرب وفي سلمِ؟ | |
| أَو كـابن عفّـانَ والقـرآنُ فـي يـدِهِ | يحـنو عليـه كمـا تحـنو عـلى الفُطُمِ | |
| ويجـــمع الآي ترتيبًــا وينظمُهــا | عقـدًا بجـيد الليـالي غـير منفصِـمِ؟ | |
| جُرحـان فـي كبـدِ الإِسـلام ما التأَما | جُـرْحُ الشـهيد، وجـرحٌ بالكتاب دمي | |
| ومــا بــلاءُ أَبــي بكـر بمتَّهـم | بعـد الجـلائل فـي الأَفعـال والخِـدمِ | |
| بـالحزم والعـزم حـاطَ الدين في محنٍ | أَضلَّــت الحـلم مـن كهـلٍ ومحـتلمِ | |
| وحِـدْنَ بالراشـد الفـاروق عـن رشدٍ | فـي المـوت، وهـو يقيـنٌ غير منبَهمِ | |
| يجــادِلُ القــومَ مُسْــتَلاًّ مهنَّــدَه | فـي أَعظـم الرسْلِ قدرً، كيف لم يدمِ؟ | |
| لا تعذلــوه إِذا طــاف الذهـولُ بـه | مـات الحـبيبُ، فضلَّ الصَّبُّ عن رَغَمِ | |
| يـا ربِّ صَـلِّ وسـلِّم مـا أَردتَ على | نـزيل عرشِـك خـيرِ الرسْـل كـلِّهمِ | |
| مُحــيي الليـالي صـلاةً، لا يقطِّعُهـا | إِلاَّ بــدمع مــن الإِشـفاق مُنسـجمِ | |
| مســبِّحًا لـك جُـنْحَ الليـل، محـتملاً | ضُـرًّا مـن السُّهد، أَو ضُرًّا من الورَمِ | |
| رضيَّــة نفسُــه، لا تشـتكي سـأمًا | ومـا مـع الحـبِّ إِن أَخلصت مِن سَأَمِ | |
| وصــلِّ ربِّـي عـلى آلٍ لـهُ نُخَـبٍ | جـعلتَ فيهـم لـواءَ البيـتِ والحـرمِ | |
| بيـضُ الوجـوه، ووجهُ الدهر ذو حَلَكٍ | شُـمُّ الأُنـوف، وأَنـفُ الحادثات حمي | |
| وأَهــد خـيرَ صـلاةٍ منـك أَربعـةً | فـي الصحـب، صُحبتُهم مَرْعيَّةُ الحُرَمِ | |
| الــراكبين إِذا نــادى النبــيُّ بهـم | مـا هـال مـن جَـلَلٍ، واشتد من عَمَمِ | |
| الصــابرين ونفسُ الأَرض واجفــةٌ | الضــاحكين إِلـى الأَخطـار والقُحَـمِ | |
| يـا ربِّ، هبـتْ شـعوبٌ مـن منيّتهـا | واســتيقظت أُمَـمٌ مـن رقْـدة العـدمِ | |
| سـعدٌ، ونحـسٌ، ومُلـكٌ أَنـت مالِكـه | تُــديلُ مِـنْ نِعَـم فيـه، ومِـنْ نِقَـمِ | |
| رأَى قضــاؤك فينــا رأْيَ حكمتِـه | أَكـرِمْ بوجـهك مـن قـاضٍ ومنتقـمِ | |
| فـالطُفْ لأَجـلِ رسـولِ العـالمين بنا | ولا تزدْ قومَــه خسـفً، ولا تُسـمِ |
المراجع
- دعوة الحق - بين البردة للبوصيري ونهج البردة لأحمد شوقي نسخة محفوظة 21 ديسمبر 2019 على موقع واي باك مشين.
- https://www.arabicnadwah.com/arabpoets/burdah-shawky.htm نسخة محفوظة 2018-09-23 على موقع واي باك مشين.
- بوابة أدب عربي
This article is issued from Wikipedia. The text is licensed under Creative Commons - Attribution - Sharealike. Additional terms may apply for the media files.